في نقد النقاب
شكرا لساركوزي على منعه للنقاب ووصفه المعبر للنساء اللواتي يرتدين البرقع بأنهن "سجينات خلف سياج"، وشكراً للبرلمان الفرنسي على قرب تصديقه على قرار بإدانة ارتداء البرقع والنقاب الإسلامي، ووصف أغطية الوجه هذه بأنها "إساءة لقيم الأمة واحترامها، ولمبدأ المساواة"، والشكر موصول للبرلمان البلجيكي الذي كان له السبق في المصادقة على قانون يحظر النقاب في الأماكن العامة، فعلى رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد المنقبات في فرنسا لا يتجاوز 1900 في صفوف الجالية المسلمة التي يبلغ تعدادها 5 ملايين، وعلى رغم أن أسباب منع النقاب تعود لأجندات سياسية حزبية ولأسباب تتعدى المطالبة بحقوق المرأة المسلمة أو الأسباب الأمنية كمسألة اندماج الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية أو الإسلاموفوبيا، إلا أن الأسباب الحقيقية للحظر ليس هنا مجال نقاشها، وإنما ما يعنينا ويطربنا في مقامنا هذا هو حقيقة منع وحظر ارتداء النقاب وتغريم المرأة وتجريم الرجل الذي يجبر امرأة على ارتدائه.
ينتشر ارتداء البرقع أو النقاب الأسود في الدول الخليجية، والدول العربية بشكل أقل، ويتفاوت الانتشار، فبينما يعد النقاب عرفاً اجتماعيّاً في بعضها يصبح في بعض آخر وسيلة للتعبير عن الانتماء السياسي أو التدين الشخصي، وبين هذا وذاك يختلف النقاب شكلا ويتفاوت بين نقاب يبدي أكثر مما يستر، وبين نقاب يغطي بقماش يحجب حتى العينين. لكن للنقاب في الدول الخليجية خصوصية تقصيه عن تيارات الإسلام السياسي وتدنيه من العادات والتقاليد المجتمعية، فلم يكن النقاب رمزاً لانتماء لتيار سياسي ولا رمز تدين شخصي، فالنقاب تاريخيّاً امتداد لمنظومة اجتماعية موروثة في مجتمع ذكوري يفرض قوانين المنع والاحتجاب على المرأة.
حقيقة لم يكن النقاب يوماً خياراً للمرأة ومع تمدد تيارات الإسلام السياسي شهدت المجتمعات العربية نكسة اجتماعية بعودة النقاب كمرادف لتطويل اللحية، وكرمز انتماء سياسي، وعلى رغم عملية التحديث التي شهدتها المجتمعات الخليجية ظل الرجل عصيّاً على التغيير ودخل النقاب في خانة "التابو" الاجتماعي خليجيّاً، وما زال النقاب أداة قمع للمرأة تنتزع إنسانية المرأة قبل أن تنتزع حقها في الاختيار. فالتفسير الحقيقي لانتشار النقاب هو في صورته الرمزية لعفة الأنثى، والنقاب يرضي غرور ذكور العائلة، ووسيلة لتهدئة مخاوف أزلية، وعدم ثقة بالمرأة الأنثى. أما المرأة فعلى كاهلها تاريخ من القهر والتسلط الذكوري باسم الدين وباسم العرف، فالنقاب وسيلة للقبول الاجتماعي والمجتمعي، وشكل من أشكال العفة، قيد حريري نسجه الرجل وصدقته المرأة "العورة" المرأة "الفتنة".
لن ندافع عن حقوق الإنسان في فرنسا وبلجيكا أو الدول الأوروبية السائرة على ركبها، أو عن مبدأ الحرية الشخصية ولا الحرية الدينية فالمرأة المنقبة في الأساس لم تملك حق الاختيار ولا الحرية الشخصية ونخص بالقول هنا المرأة العربية وليس الأوروبية التي دخلت الإسلام فكان النقاب خياراً صارخاً في وجه مجتمعها وتلك استثناءات تؤكد القاعدة، ولن نتباكى كما يتباكى كُتاب الرأي الذين هم غالباً رجال على مبادئ الجمهورية الفرنسية التي انتهكها قانون حظر النقاب.
الحرب على النقاب هي حرب بالوكالة تخوضها الدول الأوروبية نيابة عن المرأة المسلمة، حرب على أقدم رمز لاستعباد ولإذلال المرأة المسلمة باسم الدين وباسم المجتمع، فاليوم يُحارب النقاب بالقوانين، ولا ننسى قرار المرحوم محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، بمنع النقاب في المعاهد التابعة للأزهر، وكان القرار فاتحة نقاش لم ينتهِ بين مؤيد ومعارض لمنع النقاب وصولا إلى تسييس منع النقاب.
ليست دعوة للسفور لكنها دعوة لاحترام إنسانية المرأة، دعوة لاستنشاق هواء بلا حاجب.